الـ(ين يانغ)، المبدأ الأبدي للحياة
"إن بقي الإنسان محدقاً في الجيد فقط، فلن يتعلم شيئاً، لأنه إن لم يتعرّف على السيء، فسيفاجئه".
موراساكي هيكوكو
يعرف الـ(ين يانغ) YIN YANG دولياً بالرمز (تاي تشي) TAI CHI
وتعتبر كلمة (تاي تشي) اسماً لنوع من الرياضة، وهي الشكل اللاحق للتشي. وكلمة (تشي) تعني باللغة الصينية الطاقة التي ياخذها عن طريق التنفس، أي الطاقة الداخلية التي يملكها كل إنسان دون تمييز.
تحاول رياضة الـ(تاي تشي) خلق توازن بين الـ(ين) والـ(يانغ). وهذه الرياضة تؤثر إيجاباً على روح الإنسان وجسده وعقله. وبكلمة واحدة، فإن رياضة الـ(تاي تشي) هي التوازن بين جسد الإنسان وروحه وطاقاته الداخلية. وبذلك، فمن أجل معرفة رياضة الـ(تاي تشي) وفلسفتها من الضروري معرفة رمزها (ين - يانغ). إن مبدأ (ين - يانغ) هو أساس ممارسة النظام الغذائي الماكروبايوتيك، أي ممارسة حياة أفضل سعيدة أو مديدة.
إن أصل النظرية هو صيني. يظهر الـ(ين - يانغ) على شكل سمكتين في إطار دائري، وهناك عين سوداء في السمكة البيضاء وعين بيضاء في السمكة السوداء. والإطار الدائري يمثل العالم كوحدة متكاملة. وتمثل السمكة البيضاء (يانغ) وجود الطاقة الإيجابية في الكون كالشمس والنهار والذكر والحركة والقساوة الخ.. أما السمكة السوداء (ين) فتمثل الطاقة السلبية في الكون كالقمر والليل والأنثى وعدم الحركة والليونة الخ. أما العين السوداء في السمكة البيضاء فتمثل حقيقة مَيل السلبية نحو الإيجابية ومَيل الايجابية تجاه السلبية. إن الإنجازات الأولية للفكر الصيني الذي يعود الى آلاف السنين تخدم التفكير العام لشعوب الشرق الأدنى كأساس ومبدأ. وبامتلاكهم ذلك، فهم يسهمون إسهاماً كبيراً في تطوره ونشره لاحقاً.
بما أن الفلسفة هي تفسير للحياة، فإن المبدأ الأبدي للـ(ين - يانغ) في هذا الإطار، هو نظرة فلسفية شاملة بامتياز. ولا توجد أية ظاهرة في الحياة لا تتبع ذلك المنطق أو تفسَّر بفضله.
إن مفهوم (ين - يانغ) ظاهرة كونية منتشرة في كافة المجالات والمستويات في الحياة والطبيعة، على الدوام وفي كل مكان، دون التمييز في الوقت أو المكان، منذ اللحظة الأولى من وجود الحياة.
يعتبر الشخص الذي يمارس رياضة الـ(تاي تشي) شخصاً متوازناً، يمكنه موازنة الـ(ين) والـ(يانغ) والوصول الى الحل الإيجابي. نجد أصول الـ(تاي تشي) في الطبيعة والطب الصيني التقليدي على مدى آلاف السنين. وقد قام الصينيون بتطوير هذا المجال بحيث أنه يمكنهم تشخيص المرض بإلقاء نظرة على الانسان وفحص الـ(تشي) دون فحص الدم.
وقد اقتبسوا حركات الـ(تاي تشي) من الحيوانات والطبيعة. ويفضّل ممارسة هذه الرياضة في الصباح والمساء. ولجمع الطاقة الكاملة، من الضروري معرفة المعلومات الأساسية عن هذه الرياضة وأسرارها والتعرف على الحركات الأساسية.
تشدد هذه الرياضة على 4 محاور: أن يكون الانسان طيّعاً وقاسياً، والتوازن بين الغضب والهدوء. وطبعاً من المهم أن يكون متوازناً لتأمين كل ذلك.
يقوم ممارس رياضة الـ(تاي تشي) بتسليم نفسه للطبيعة والتوازن وينتقل الى الأبدية. فالوقت يتوقف عند ممارس هذه الرياضة بالحركات الهادئة، ويفرّغ الهموم والضغوطات بالتنفس الصحيح. وبذلك، فإن الجسد والروح يتبعان حركات الطبيعة. وأما جسدياً، فتنتظم ضربات القلب ويتوازن القلب والعقل ويعملان سوياً، أي أن حياة الانسان تصبح صحيّة.
إن الحركات الجسدية والتركيز الذهني وتوازن القوى تجعل مَن يمارس الـ(تاي تشي) يشعر أن صحته أفضل خاصة بنتيجة جمع الطاقة بين يديه.
وفي الحقيقة، كل إنسان يملك الـ(تشي) أي الطاقة الداخلية، دون تمييز. ولهذا السبب يتمكن الأشخاص الذين يطوّرون الـ(تشي) بداخلهم من معالجة وشفاء الآخرين أو مساعدتهم. وبهذا، وبهدف تقوية الطاقة لدى الناس تم تبنّي رياضات معينة تشكل مجموعها الـ(تشي).
إن من يمارس الـ(تاي تشي) ينـَّقي روحه وقواه وينسى محيطه وهمومه ويدخل في أعماق ذاته ويتغلغل الى عالمه الروحي. فعندما يهدأ جسده يستنير عقله، وباستنارة عقله يصبح روحه أنبل.
وتجدر الإشارة هنا الى توضيح الفرق بين الـ(تاي تشي) واليوغا. فبالرغم من أن الأثنين يشكلان مبدأ خلق التوازن ويجعلان الانسان يصل الى المكان ذاته، إلا أن الفرق الأساس هو أن اليوغا تتطلب ليونة الجسد لأن حركاتها صعبة بعض الشيء. أما الـ(تاي تشي) فيمكن ممارستها في وضع الجلوس وحتى في حالات الإعاقات الجسدية.
يتبع الصينيون الـ(تشي) الموجود في الكون ويتغذّون على أساسه، فيتناولون الفطور في ساعات مبكرة من الصباح، والغذاء في الساعة 12 أما في المساء فلا يتناولون عشاءهم بعد الساعة 7. هذا هو الشكل المثالي الذي يمنح الفرصة للـ(تشي) لمساعدة الإنسان في عملية الهضم الطبيعية ليقيه من صعوبات مختلفة.
وبذلك، ففي أيامنا المليئة بالضغوطات، من الطبيعي ومن الضروري تنظيم نظامنا الغذائي وتقوية إيماننا لنضع همومنا الثقيلة جانباً ونشعر بأننا بشر بحاجة الى الراحة واستعادة طاقة جديدة لكي نمتلك صحتنا، لأننا غالباً ما ننسى العناية بصحتنا ونتلفها. وهذا يأتي بطبيعة الحال كنتيجة لفلسفة التوازن في الـ(ين يانغ).
ونستنتج أنه عندما يكون العقل مستنيراً والروح نبيلة يتبيّن ضرورة العيش بأفكار نيّرة وتأقلم مع المحيط دون كراهية وغضب لكي نسعى الى حياة أفضل ضمن مقولة "العقل السليم في الجسم السليم".
الخميس فبراير 26, 2009 12:24 pm